حكاية الملك المحتكر

 

ملك

حكاية الملك المحتكر

 

عاش في قديم الزمان ملك من قساة الملوك لا يعرف قلبه رحمة ولا شفقة. كان طماعاً جداً تزداد ثرواته وأملاكه فيزداد طمعاً على طمع ويسفك المزيد والمزيد من دماء الأبرياء فيزداد طغياناً وقسوة وجبروتاً.

جعل أرض مملكته بكاملها ملكاً شخصياً لـه فصار الفلاحون والعاملون في الأرض عبيداً لـه يحرثون ويزرعون ويحصدون وتذهب الخيرات التي أنبتتها الأرض بعرقهم وجهدهم إلى مستودعاته. وكان حراسه يوزعون على الناس يوماً بيوم ما يردّ عنهم خطر الموت جوعاً.

كان الفقراء الذين لا يعرفون الشبع يذهبون إلى الغابة ليسدوا جوعهم بثمارها البرية ونباتها. فأخبر الجواسيس الملك بذلك فأمر بوضع حراس يحرسون الغابات ويمنعون الناس من الدخول إليها إلا بأمر خاص. وأصدر أمراً بمصادرة كل ما يؤكل في الغابة من عشب وثمر وحيوانات وجعلها ملكاً خاصاً به يعاقب بالموت من يعتدي عليه.. فأملاك الملك الخاصة مقدسة لا يجوز المساس بها.

كان رجال الملك من الجلادين الطغاة فنفذوا أوامره بقسوة فزاد بؤس الناس وعذابهم فاتجهوا إلى الينابيع العذبة يملؤون بمائها بطونهم الجائعة. أرسل أحد جواسيس الملك تقريراً إلى الملك يقول فيه:”إن الناس يشربون الكثير من الماء يا صاحب الجلالة وهذا يثقل بطونهم ويجعلهم كسالى في العمل وفي ذلك ما فيه من خسارة تلحق بأموال جلالتكم.”

غضب الملك غضباً عارماً وأرسل أقسى جنوده ليبعدوا الناس عن الينابيع. وانهالت السياط والهراوات على ظهور الناس شيوخاً ونساء ورجالاً وأطفالاً فلاذوا بالفرار باكين مولولين.

وأصدر الملك أمراً جاء فيه: “بأمر جلالة الملك المعظم! تصادر جميع الينابيع والآبار والأنهار والبحيرات وما يتجمع في الحفر والبرك وعلى الأسطحة من مياه الأمطار وتصبح ملكية خاصة بصاحب الجلالة يوزع منها رجاله ما يرونه ضرورياً على الذين يعتبرونهم بحاجة ماسة إليه! ينفذ الأمر فوراً!\”.

وطاف الجنود على بيوت الرعية وصادروا الجرار والخوابي والأواني الكبيرة كي لا يخزن فيها الناس بعض الماء خلسة. عطش الناس وتفشت بينهم الأمراض والأوبئة بسبب ازدياد القذارة وصاروا يموتون بالعشرات.

وذات يوم أتى إلى الملك أحد مستشاريه وهمس في أذنه: “المعذرة يا صاحب الجلالة! يبدو أن رعيتك قد تعودوا حياة الإسراف والتبذير. إنهم يستنشقون الكثير من الهواء وينفثون فيه الكثير من أمراضهم وأوبئتهم..”.

صاح الملك متجهماً:

ـ ماذا تريد أن تقول أيّها المستشار؟

ـ أخشى أن ينفد الهواء أو يفسد يا مولاي فلا يعود لدينا ما نتنفسه!

ـ فهمت، فهمت!

وأصدر الملك أمراً بمصادرة الهواء واحتكاره.

واقترح الخبراء المختصون أن توضع في أقبية القصر وفي غرفه وصالاته الزائدة أوعية مطاطية كتيمة تتصل بأجهزة خاصة تشفط الهواء من الأجواء وتضغطه فيها.

وصنع الناس الأوعية المطاطية المطلوبة وجهزت بها الأقبية والغرف والصالات وراحت الأجهزة الشافطة تعمل وتعمل والأوعية المطاطية تنتفخ وتنتفخ، وزاد شفط الهواء وزاد ضغطه على جدران أقبية القصر وغرفه وصالاته حتى لم تعد تحتمل فانفجر القصر وتطايرت حجارته.

ومنذ ذلك الحين والشعوب تتناقل من جيل إلى جيل الحكمة القائلة:

كثرة الضغط تولد الانفجار

اترك تعليقاً